الملف السياسي

«غيرة صاروخية» لا تبشر بخير لاستقرار العالم

12 مارس 2018
12 مارس 2018

سايمون سارادزيان- موسكو تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

كان خطاب فلاديمير بوتين يوم الخميس 1 مارس هو الأكثر عسكرة أو نزعة عسكرية من بين كل الخطب التي ألقاها أمام الجمعية الفيدرالية (برلمان روسيا) منذ أن تولى رئاسة روسيا في عام 1999. وعلى الرغم من أن بوتين ابتدر الخطاب بالحديث عن تحديث اقتصاد روسيا وخفض حجم الفقر إلا أنه خصص خطابه في معظمه (وكذلك أشرطة الفيديو المرافقة له) للمدافع بدلا عن الزبد. وفي حين أن أعضاء الجمعية الفيدرالية رحبوا في وضوح بالعرض العسكري الذي قدمه لهم بوتين (بالتصفيق المتكرر) إلا أن باقي العالم شعر بقشعريرة تذكِّر بأجواء الحرب الباردة.

لقد كان تحذيره بأن روسيا سترد إذا تعرض أحد حلفائها لهجوم نووي بشن هجوم نووي مضاد يتسق مع لغة المبدأ العسكري الحالي الذي تعتمده موسكو. لكن العديد من تصريحاته الأخرى شقت مسارا جديدا لعداء روسيا «ما بعد الحقبة السوفييتية « تجاه الولايات المتحدة وحلفائها. فمثلا تعداده المضجر لمنجزات البحث والتطوير الروسية الجديدة وغير الجديدة تماما في مجال أنظمة الهجوم الاستراتيجي يستعيد إلى الذاكرة دعوى نيكيتا خروتشوف بأن روسيا السوفييتية تنتج الصواريخ «مثل النقانق.» (نيكيتا سيرجيفتش خروتشوف 17 أبريل 1894- 11سبتمبر 1971 تولى زعامة الاتحاد السوفييتي بعد وفاة جوزيف ستالين من عام 1953 وحتى عام 1964- المترجم.) لقد كان ذلك زعمٌ صدر عن الزعيم السوفييتي في ذروة الحرب الباردة. إن تأكيد بوتين المتكرر على تفوق الأنظمة التسليحية التي طورتها روسيا حديثا على أنظمة منافسيها لم يكن مفاجئا. فالزعيم الروسي مطبوع على حب المنافسة. لقد قال يوما مخاطبا الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش أن كلبه «أكبر وأقوى وأسرع ركضا» من كلب بوش «بارني» الاسكتلندي السلالة.

لذلك كانت المسألة مسألة وقت فقط قبل أن يرد بوتين على ترويج الرئيس دونالد ترامب لقدرة الولايات المتحدة العسكرية «في سياق حالة تنافسية» يمكن أن يصفها أنصار النسوية بمباراة «غيرة» صاروخية.

وفي حين أن قعقعة بوتين للسلاح وهي الأعلى صوتا حتى الآن قد تكون مجرد رد فعل لكن أيضا من الواضح أن المقصود بها تحقيق عدة أهداف. أحد هذه الأهداف إذكاء الحمية الوطنية في روسيا من أجل ضمان خروج الناس للمشاركة في انتخابات 18 مارس الجاري والتصويت لصالح المرشح الرئاسي بوتين. فالكرملين عاقد العزم على تحقيق هدفه الذي ذُكِرَ أنه ضمان مشاركة بنسبة 70% من إجمالي عدد الناخبين في الانتخابات وحصول الرئيس الحالي (بوتين) على 70% من الأصوات. كما شرح بعض العليمين ببواطن الأمور أن تخصيص الأولوية للإنفاق الدفاعي وسيلة يسعى بها الكرملين لزيادة الناتج المحلي الإجمالي. لكن الشيء الأكثر أهمية هو أن خطاب بوتين الذي شابته لغة مولعة بالقتال ربما قصد به ليس فقط ردع الغرب عن التدخل في شؤون روسيا قبل وبعد انتخابات 18 مارس ولكن أيضا الرد على الزيادات التي يخطط لها ترامب في المقتنيات العسكرية. كما قصد به أيضا الرد على نشره (أي ترامب) مجموعة من الوثائق الاستراتيجية مؤخرا والتي شكلت مؤشرا على تحول بؤرة اهتمام الولايات المتحدة من محاربة الإرهاب إلى مواجهة روسيا والصين.

ومن المحتمل أيضا أن تكون قعقعة السلاح هذه خدعة قصد بها إقناع الولايات المتحدة بالدخول في مفاوضات حقيقية ولها معنى حول مختلف جوانب بسط الاستقرار الاستراتيجي بين موسكو وواشنطن. فروسيا والولايات المتحدة مضت عليهما الآن أطول فترة زمنية منذ سنوات ذروة الحرب الباردة دون أن يعقدا خلالها محادثات جوهرية حول ضبط التسلح.

وإذا كان ذلك صحيحا فأنا أشك في أن تستجيب الولايات المتحدة بترفيع حوار يفتقر للحماس حول الاستقرار الاستراتيجي إلى مفاوضات مكتملة الأركان من أجل السيطرة على التسلح.

وإذا كان لموقف بوتين العدائي أن يفعل أي شيء فإنه يقدم ذخيرة إضافية لأولئك الذين يدفعون باتجاه إحداث زيادات في حجم ونطاق الأنظمة الاستراتيجية التي يخطط البنتاجون للحصول عليها. ويؤكد خطاب بوتين أن الكرملين، بعدما شهد إخفاق المحاولة التي قام بها في العام الماضي لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية- الروسية، يستعد الآن لفترة تتسم بمواجهة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة. وهذا خبر سيئ ليس فقط بالنسبة للقوتين العظميين ولكن أيضا للاستقرار العالمي في مجمله.

• الكاتب مدير شؤون روسيا بمركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بمدرسة كنيدي للحكم - جامعة هارفارد.